7 صفر 1447 هـ   2 آب 2025 مـ 10:20 صباحاً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

2018-01-11   3309

المُعجز الإلهي والخارق البشري

ما زال تقارب المفاهيم وربما تشابكها بين المعجزة والإعجاز من جهة والخوارق البشرية من جهة أخرى، يُسبب للمتلقي عسرا في الفهم، لذلك كان من الواجب العلمي والأخلاقي فك هذا التشابك من خلال بيان نقاط الالتقاء والافتراق بينهما، كي يتسنى لهذا المُهتم؛ عقد مقارنات ما بينها وفك هذا الاشتباك الذي قد يدخله في باب التشكيك بصحة الأديان السماوية، أو بصحة نبوة الأنبياء أو الرسل؛ معتبرا إياها أديان من صناعة بشرية بحتة، وليست ربانية من عند الله، وعليه يجب أن يكون العرض علميا مبسطا؛ يُخاطب كل العقول على اختلاف درجاتها، محسوبا بذلك اختلاف انتماءاتها وثقافاتها المرتبطة بذلك الانتماء.
المعجزة الإلهية تعريفا؛ هي كل ما عجز البشر العاديين عن إتيانه او بمثله؛ من قول أو فعل، وذلك لمحدودية قدراتهم التكوينية، وهي من الأمور الخارقة للعادة، تجري خارج القوانين والنظم الطبيعية التي سيّر الله بها النظام الكوني، وقد تأخذ بعدا زمانيا ومكانيا محددا، وتختص بالأنبياء والمرسلين لتصديق نبوتهم أو رسالاتهم، وقد تكون للأولياء الصالحين على شكل كرامات مُنحت لهم لتظهر علو مقامهم وقربهم المعنوي من الله.
وتكون هذه المعاجز والكرامات مؤيدة بالتأييد الإلهي، وهي خارج نطاق المعارضة؛ حيث تدخل حيز التحدي لقابليات البشر المحدودة أصلا، ولا يمكن أن تدخل في مجال التعليم أو التعلم والدربة والارتياض، ولا تعتمد في إتيانها على قدرات جسمانية أو عقلية أو نفسية للقائم بها، حيث لا يمكن للإنسان العادي ـ كونه مخلوق محدود القدرات ـ أن يتلاعب أو يُغير بالقوانين الكونية والسنن الإلهية الثابتة، إذ أنها وجدت وتحركت بسنن وقوانين ثابتة بجلال قدرته وهو القادر على كل شيء قدير؛ حيث أنها لا تقبل التبديل ولا التحويل ((.... لَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّـهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّـهِ تَحْوِيلًا))(فاطر-43) ولا يأذن الله بتغيير هذه السنن أو القوانين الطبيعية الثابتة إلا عندما تكون هنالك ضرورة قصوى لذلك، إذ من صفاته الحكمة في فعله؛ ما ينسحب على حكمة قوانينه التي تدير الطبيعة، ولا عبث عنده في كل ما أوجده، لكن للضرورة أحكام قد تجري تغييرا فيها، لإثبات رسالة مرسل أو نبوة نبي، حيث تحدث المعجزة لتكون الدليل والبرهان الحسي على صدق رسالة رسول مرسل أو نبوة نبي، لذلك أذن الله لبعض أنبيائه ورسله في تغيير بعض تلك القوانين بمكان وزمان معينين ومحددين، وربما تولى الأمر هو بذاته، ليُغير سنة من هذه السنن، كما جرى مع نبي الله إبراهيم عليه السلام حين أمر النار أن تُغير من طبيعتها ـ الحرق ـ لتكون بردا وسلاما على إبراهيم عليه السلام.
إن الحاجة للمعجزة لا تكون إلا لمن في قلبه مرض، من المشككين بصدق نبي او رسول أو رسالة سماوية، أو لحاجة يراها الله مناسبة لظرف ما؛ ينقذ بها نبيه أو الذين معه، كالذي جرى لنبي الله إبراهيم عليه السلام عندما قذفوه في النار، أو كما جرى لنبي الله موسى عليه السلام عندما شق الله له البحر نصفين كي يمر هو وبني إسرائيل للضفة الأخرى؛ لينجوا من فرعون وجيشه الذي كان يلاحقهما، كذلك ما جرى لنبينا محمد صلى الله عليه وآله من إنزال ملائكة يقاتلون معه في بعض معاركه كمعركة بدر وأحد وحنين ((وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّـهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فاتقوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيَكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُنزَلِينَ (124) بَلَى إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ)) (آل عمران ـ 123ـ 125). 
وليس بالضرورة أن الكل يحتاج للمعجزة كي يؤمن، فالذين كانوا يعرفون النبي صلى الله عليه وآله عن قرب من أصحابه والذين عايشوه وخبروا سيرته قبل وبعد النبوة، عرفوا مقامه وعلو أخلاقه، فصدقوه في مدّعاه دون طلب إظهار معجزة منه، حيث يُني يقينهم الاعتقادي برسالته على أن ما جاء به هو الحق ومن عند الله، وأن رسالته جاءت رسالة هداية لكل الإنسانية، ولم يطلب عليها أجرا أو جاها أو منصبا، حتى يُشكك في مصداقيتها، لذلك أمره الله في بداية دعوته أن يُخبر عشيرته وذوي قرباه بأصل دعوته التي تعم كل الإنسانية، وأن يخبرهم أن هدفها هدايتهم لعبادة الله الواحد الأحد، وانقاذهم من العبادة الشركية التي كانوا عليها،  حيث اتخذوا أصنامهم أربابا، معتقدين أنها المخولة بتدبير أمورهم الحياتية، لذلك أشار القرآن الكريم لتلك الدعوة بآية ((وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ))(الشعراء -214) فصّدقه البعض منهم دون طلب معجزة تثبت صدق ما جاء به. 
كما إن الأمثلة كثيرة على المعجزات التي أتى بها الأنبياء والرسل لإثبات صحة وصدق نبوتهم ورسالاتهم، وكمثال على ذلك انشقاق القمر للنبي الرسول محمد صلى الله عليه وآله بإذن الله تعالى، حيث كانت آية تصديقية لنبوته ورسالته لمن شكك فيها، كذلك تحول النار إلى برد وسلام على نبي الله إبراهيم عليه السلام بإذن الله، بعدما ألقاه فيها الملك النمرود عقوبة له على تحطيم أصنامهم التي كانوا يؤمنون بربوبيتها، لعدم ايمانه بمعتقداتهم وجداله لهم بعدم نفعها وضرها ((قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ)) (الأنبياء -69) وتحول عصى موسى عليه السلام إلى حية حقيقية تسعى بإذن الله، كما رآها السحرة وهم الخبراء بالسحر، لا بل كانوا من كبار السحرة الذين يميزون بين السحر كخداع للنظر، وبين الحقيقة التي أظهرتها المعجزة الإلهية، عندما شاهدوها كيف تلتقم حبالهم التي خيل للناظرين العاديين أنها حيات؛ بغشاوة السحر على عيونهم، وبعدما عرف السحرة أنها آية معجزة من عند الله، وليست من عمل ساحر مثلهم، آمنوا برب موسى عليه السلام، مما شاط له غضب فرعون، وأحُرج أمام الملأ الذين أحضرهم لإبطال دعوة موسى عليه السلام بالنبوة وكانت دعواه للناس أنه ساحر، لكن بطلان دعواه بالمعجزة الإلهية اضطره ليدعي أنه كبيرهم الذي علمهم السحر، ليخرج من الحرج الذي وقع فيه، ونتيجة لذلك توعد السحرة الذين أتى بهم، بالصلب والموت بغضا بهم لإشهارهم الإيمان برب موسى عليه السلام دون إذن منه، وهو الذي كان يدعي أنه ربهم الأعلى ((فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ (44) فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (45) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (48) قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ))( الشعراء ـ 44 ـ 49).
اما الإعجاز؛ فهو اسم من فعل عجز؛ ويعني عدم قدرة البشر على الإتيان بكلام أو بفعل يماثل كلام الله وفعله، ولا يكون هذا الإعجاز محكوما بمكان أو زمان محددين، وهو على نوعين إعجاز مطلق؛ وهو كل ما صدر عن الله قولا وفعلا تؤيده الآية الكريمة ((...... لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ))(الشورى - 11) حيث نفى المماثلة عن الله بذاته وصفاته وأفعاله، ومن تفريعاته التحدي الإلهي للإنس والجن على أن يأتوا بمثل كلامه وهو فعله ((قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا))(الإسراء - 88) حيث التحدي قائم بزمن مفتوح حتى قيام الساعة، وهذا ما عجز عنه البشر، وقد صرح القرآن الكريم بهذا التحدي في آيات متكررة نأخذ منها على سبيل المثال ((أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّـهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ))(يونس - 38)، في حين أن الإعجاز النسبي وهو من الخوارق البشرية التي تعتمد على القابليات الجسمانية أو العقلية أو النفسية للإنسان، وتكون محدودة بمحدودية قدراته التكوينية حيث فقره الذاتي ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّـهِ وَاللَّـهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ))(فاطر-15)، وتكون هذه الخوارق محكومة بمكان وزمان محددين؛ لا قدرة لها على البقاء؛ إذ هي معنية بشخص معين محكوم بعاملي الزمان والمكان؛ كذلك ليست لها غاية إلهية في إثبات نبوة أو رسالة، وتخضع لعدة اعتبارات تحجمها وتعارضها، إذ أنها لو تعارضت مع قانون أو سنة إلهية مثلا، فليس بمقدورها الثبات أو الفاعلية حيث أن الإنسان مهما بلغ من قوة تدريب أو ارتياض لا يمكنه أن يشق القمر أو أن يشق البحر أو أن يفقد النار قدرتها على الحرق، لذلك هي قدرات محدودة قد تظهر عند آخرين بتعاقب الأجيال، مُظهرة بعض قدرة الله في خلقه حيث لا حول ولا قوه للإنسان إلا بالله العلي العظيم، فهو القائم بغيره إيجادا وتدبيرا ولا يمكنه أن يتجاوز قدره الذي خلق لأجله ((وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ ))(الحجر-21) ، ولتأكيد كل ذلك؛ يصور الله في كتابه الكريم عجز الإنسان ابتداء من خلال عجز قابيل عن دفن جثة أخيه هابيل لما قتله حسدا ((فَبَعَثَ اللَّـهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قالَ يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ ))(المائدة 31).

 

عادل مشكور الظويهري

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م